عباس زكي*
بداية كل الرحمة والمغفرة لذاك الراحل جسداً،الباقي بأعماله المتميزة في ذاكرة من عملوا معه ومن عرفوه خلال مسيرة النضال الطويلة وعلى كل صعيد، حيث كان الأكثر تفاعلاً مع تطورات الأحداث على الساحة العربية، خاصة أن قوى الاستعمار القديم ” أوروبا ” والجديد ” أمريكا ” قد وجهت السهام إلى قلب الأمة العربية ” فلسطين ” ، وهو بحكم وعيه الفطري وعمق دراسته لمسلسل التآمر الاستعماري بنهب ثروات ومقدرات أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج، والعبث بوحدتها الجغرافية ومنعها من التطور والتنمية وفقا لاتفاقية سايكس ــ بيكو ووعد بلفور وفرض الهيمنة الفرنسية البريطانية تركه أمام مفترق طرق يبحث بعقلية الرواد عن سبل المواجهة..فاختار اليسار طريقا وانضم إلى حركة القوميين العرب كأحد أبرز القادة الذي يطل على لبنانيته من جبال الأوراس (الجزائر) بلد المليون ونصف شهيد، ومن مصر عبد الناصر وشموخه ورمز الكبرياء العربي.
ومن اليمن ثورة 14 أكتوبر المنتصرة، ولم يأخذه هذا المشهد الوطني المعبر عن قــــدرات أحــــرار أمتنــــا وفرســــانها دفاعا عـــن تاريــــــخ حافــــل مشرق بعيداً عن لبنان الحبيب فأنشأ منظمة الاشتراكيين اللبنانيين ثم منظمة العمل الشيوعي التي مكنته من تحمل أمانة مسؤولية الحركة الوطنية اللبنانية التي يحسب لها في حينه ألف حساب .
إذن الراحل الكبير محسن إبراهيم ” أبو خالد ” تحلى بأهم سمات القادة على السير بخطى ثابتة رغم تعرجات الطريق وتعاظم قوى الشر واطباقها على معظم أنظمة الحكم في المنطقة… وهنا أدرك الراحل إبراهيم بعمق وعيه أن المعركة هي معركة أجيال وطويلة ، تحتاج إلى أدوات تعمل على استمرار الصراع وبراعة المواجهة..فربط مصيره بالقضية الفلسطينية ومارس دوره كأنه عضو في اللجنة المركزية لفتح أو مساعداً للرئيس الراحل ياسر عرفات الذي أحبه كما هي القيادة الأولى التي يحظى بتقديرها، كأحد أهم الرموز العربية المسكونة بالهم الفلسطيني والتي تداعت إلى الانخراط في الجبهة العربية المشاركة بقيادة الراحل كمال جنبلاط، أو الجبهة العربية المساندة برئاسة الجزائري شريف مساعدية.
كان أبو خالد الرجل المتوازن في العواطف والظروف الاستثنائية، رجل الحكمة والموقف الشجاع، الرجل القادر على تدوير الزوايا والسير إلى الأمام، يفرض نفسه مرجعية للأكثر حفظاً لدرسه لأنه ينال الاحترام والتقدير لرجاحة العقل وتقدير الظروف.
كنا ننتظره في كل أزمة داخلية وكأنه يملك مفتاح الحل شعوراً منا جميعاً بأنه الأكثر مصداقية وحرصا على استمرار توهج فتح والحفاظ على دورها المرحب به حتى من المعارضين، كما هو اعتراف القـــادة الكبــــــار جــــورج حبـــش ونايـــف حواتمـــة اللـــذين قـــالا
” إذا ضعفت فتح أصبح الجميع في خطر “، وفي أي مناكفة مع قائد المسيرة عرفات كان شعار الجميع ” نختلف معه ولا نختلف عليه ” .
واسمحوا لي أن أتحدث قليلاً بالإشارة إلى تجربتي الشخصية مع الراحل الكبير أبو خالد، فقد لاحظتُ ان له قيمة عالية ووزنا ثقيلا في ثورتي الجزائر واليمن، ووجدت فيه الأكثر حرصا على نجاح مهمتي عام 2005 في لبنان والتي أنهت ثلاثة وعشرين عاماً على غياب الشرعية الفلسطينية ” 1982 – 2005 ” منذ خروجنا من بيروت عام 1982 وحتى اليوم الذي توصلنا فيه إلى فتح التمثيل الفلسطيني داخل بيروت في 15 / أيار / 2006 .
فكان بمثابة استفتاء على إجماع اللبنانيين على عدالة قضية فلسطين .. كنت أرى ملامحه وقسمات وجهه وبريق عينيه فرحاً وهو يراقب تحركاتي بين الفلسطينيين ووحدتهم واللبنانيين على حد سواء ويقول لي هل من مزيد؟
محسن إبراهيم فريد من نوعه في الانتماء والوفاء … أبو خالد من القادة الرواد الكبار.. والكبار لا يموتون… يبقون ببصماتهم وإبداعاتهم هادياً ودليلاً .. وبالمتابعة لهذا الطراز من القادة نحقق شعار تدافع الأجيال ونرد على قوى الشـــــــر والعـــــــــدوان كقـــول جـــون فوستـــــر دلاس إثـــــــر النكبــــــة عام 1948 ” الكبار يموتون والصغار ينسون ” لنرد عليهم بقوة ” الصغار على نهج الكبار يؤكدون جيلاً بعد جيل على رفض العبودية ورفض الهيمنة والاحتكار ويرددون كما هم اليوم ” على القدس رايحين .. شهداء بالملايين “.
نم قرير العين يا أبا خالد فأنت راحلٌ إلى دار البقاء ولكنك من الخالدين .. وإلى السيدة أم خالد والدكتور خالد وكل أفراد أسرته الكريمة ورفاقه ومحبيه لهم الفخر بأنه رغم الرحيل الابدي..يبقى في الذاكرة والوجدان.. كأحد ابرز الاعلام في هذه الامة.. وما اتشحت عيناه بالسواد إلا حباً في اللون الأسود الذي يعلو علم فلسطين… رمز أحرار الأمة العربية التي سعى أبو خالد لتوحيدها، باعتبار الوحدة أهم مرتكزات القوة والنصر .. فهي طريق المناضلين نحو الرفعة والعزة والكرامة…
رحم الله المناضل الكبير محسن إبراهيم ” أبو خالد ” وأسكنه فسيح جناته …وانّا لله وانّا اليه راجعون…
* عضو اللجنة المركزية لحركة فتح،
*المفوض العام للعلاقات العربية والصين الشعبية.
Leave a Comment