سياسة

مهام بناء البديل لانقاذ البلاد من المخاطر مسؤولية ملحة

كتب زكـي طـه

  بأشكال مختلفة وخلافية  تفاعل اللبنانيون مع مجريات الصراع المتجدد على أرض فلسطين حيث يُسطر الشعب الفلسطيني بمختلف اطيافه في الداخل المحتل ملحمة بطولية غير مسبوقة، من حيث اتساع حجم المشاركة الشعبية في مواجهة العدو الاسرائيلي، دفاعاً عن وجوده وحقوقه الوطنية. عكس الأمر حجم وخطورة انقسام اللبنانيين المستمر بشكل عبثي حول قضيتهم  وهويتهم الوطنية، وموقع وعلاقات بلدهم مع  قضايا المنطقة وأزماتها المتعددة، وفي مقدمها القضية الفلسطينية من شتى نواحيها. وهو الوجه الآخر لخلافاتهم وصراعاتهم في مواقع السلطة، كما في مواقع الاعتراض المُدعاة، حول مختلف شؤون انتظامهم مجتمعاً ودولة  ومؤسسات ناظمة لشؤونهم الوطنية والسياسية والاقتصادية والأمنية.

  وهذا ما جعل مواقفهم من الحدث الفلسطيني تفتقد على نحو الاجمال، للمصداقية الانسانية  والنزاهة السياسية  بالنظر لاختلاف الغايات والمقاصد إلى حد التناقض. والأمر مرده  تحصّن الجميع بمواقع الانقسام المتجذرة والموروثة، وافتقادهم لتعريف جامع أو متقارب للقضية الفلسطينية في امتداد عجزهم عن  تعريف وطنيتهم، وفق صيغة تعبر عن مصالح لبنانية مشتركة.

 وإذا كانت التطورات الفلسطينية الدامية الحالية، وبصرف النظر عن قرار الهدنة أو التهدئة، ليست سوى محطة في مسار صراعي معقد وصعب تاريخياً وراهناً.  ولا يبدو في الأفق المنظور أنه مرشح قريباً لحلول أو تسويات تحفظ الحد الأدنى من الحقوق والمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، رغم تجدد واتساع مستويات التعاطف والتأييد لها على صعيد الرأي العام العالمي. فإن أسباب ذلك أقل ما يقال فيها استمرار الدعم الاميركي والتواطوء الدولي مع اسرائيل، وانهيار الوضع العربي إلى حد التسليم والاستسلام والتخلي عن القضية. واستمرار الانقسام الفلسطيني برعاية ودعم اقليمي إيراني وتركي.

    ومع  افتقاد اللبنانيين الإدارة السياسية للبلاد، والسلطة المسؤولة عن معالجة ما تنتجه أطرافها من أزمات، في موازاة تصاعد حدة الانقسام اللبناني وخطر تجدد الحرب الأهلية. بينما تستكمل تلك الأطراف الإجهاز على ما تبقى من  بُنى الدولة وتخريب مؤسساتها وأجهزة الإدارة فيها، وتدمير ما تبقى من الاقتصاد وتفكيك بُنى المجتمع، وسط مسار إفناء منظم للمعالم الدالة على امكانية بقاء الكيان مشروع وطن قابل للحياة. لم يعد مستغرباً معه أن يقع البلد في جحيم الانهيار، والبقاء عرضة لمخاطر ارتدادات ما يجري على أرض فلسطين. وهو أمر يجب عدم الإستهانه به مطلقاً وقد بدأنا نشهد بعض منها.

 رغم ذلك، لسنا بصدد تقييم تعامل وتفاعل اطراف السلطة المختلفة والمتصارعة، ولا أداؤها الفئوي والاستعراضي الاعلامي والميداني مع الحدث الفلسطيني في الداخل اللبناني، أو على طول الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، بعيداً عن المصلحة الوطنية اللبنانية. لأنه يعكس في حقيقته رؤى ونظرات للمسألة الفلسطينية تصدر عن مواقع طائفية ومذهبية مختلفة ومتصارعة، تؤكد على نحو الإجمال رهانات وارتباطات ومخاوف أصحابها حيالها ومعها الوجود الفلسطيني في لبنان.

  وإذا كان أداء أطراف السلطة غير مفاجىء ويستدعي الإدانة والاستنكار، فإن واقع حال قوى الاعتراض اللبناني ومجموعات الانتفاضة ودُعاة الانقاذ والتغيير مع الحدث والقضية الفلسطينية، لم يكن أفضل حالاً، ولا يدعو للاطمئنان. والسبب الرئيس في ذلك أن مواقف هؤلاء جميعاً وعلى نحو الاجمال لم تختلف مطلقاً من حيث الشكل والمنطلقات والأداء عن اطراف السلطة. وهذا ما يشكل الوجه الآخر لأزمة العلاقة بالقضية الفلسطينية، وهو ما يقع أيضاً في امتداد الأزمة اللبنانية المستعصية بالنظر لاختلاف رؤى ومقاربات تلك القوى لقضايا البلد، وسط سيادة التفكك والشرذمة، والعجز عن الحد الأدنى من التواصل والتنسيق، فكيف ببرنامج الحد الأدنى المطلوب للإنقاذ أو للتغيير كما يدعو البعض. أما العلاقات بين هذه القوى فالسائد هو الإنكار المتبادل، وتبادل الاتهامات وصولاً أحياناً كثيرة إلى حد التخوين ما يجعلها نسخ مشوهة عن  قوى السلطة والعلاقات بين مكوناتها، وسط تصاعد التحديات والمخاطر التي تهدد البلد.

  ولذلك يصبح الإلحاح على طرح الاسئلة حول مدى قدرة اللبنانيين على الصمود أمراً ضرورياً، خاصة أمام اخطار ارتدادات الصراع على ارض فلسطين مع العدو الاسرائيلي على لبنان، وسبل مواجهتها بعيداً عن استسهال تجاهل ما يتعرض له الفلسطينيون، أو الوقوع في التبسيط السائد لدى البعض، مما يُعرِّض البلد لجولات جديدة من الدمار، لا تخدم معركة الفلسطينيين بقدر ما يمكن أن تصب في الطاحونة الاسرائيلية.  وما يؤكد أهمية طرح الأسئلة بإلحاح هي نتائج ومضاعفات انهيار الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وتعطل المرافق العامة الأساسية، مع اقتراب استحقاق رفع الدعم عن السلع الأساسية، وخطر المجاعة الزاحف.  خاصة وأن اللبنانيين يفتقدون المؤسسات والقيادات النقابية المرجعية لقضاياهم، الموثوقة منهم والقادرة على خوض معارك الدفاع عن حقوقهم وفي سبيل مطالبهم، مما يتطلب البحث الجاد في تحرير تلك المؤسسات من قبضة أطراف السلطة. الأمر الذي لم يجد بديلاً له في المجموعات التي توالدت كالفطر. كما لم تعوضه كثرة البرامج والشعارات التي تتكرر على ألسنة الناشطين وفي بيانات القوى والمجموعات، بما فيه إدمان التحركات الشكلية والهزيلة، مما يسهل استغلاله من أطراف السلطة. 

من المؤكد أن اللبنانيين لا يملكون ترف الوقت والانتظار إلى حين جلاء عواصف المحيط، والتي  يُخشى معها أن يذهب البلد ضحيتها، خاصة أن محاولات بعض الداخل والخارج تحييده لا تمتلك من الحصانات ما يحميها، ويبقيه بمنأى عن الخطر. وذلك بالنظر لتداخل أزمات المحيط المتفجرة، وانغماس بعض اطراف الداخل فيها والارتهان لها، والاصرار على تشريع البلاد أمام نيرانها دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية، فيما الحصانة الداخلية مفقودة والحدود المشرّعة لا تجد من يقفلها. كله بالتزامن مع ما يحتشد في الداخل من كوارث وافتقاد الحد الأدنى من الادارة السياسية المسؤولة وسط الانهيار الشامل، ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والمالي في موازاة انعدام الأمن الاجتماعي والمعيشي والخدماتي والصحي. وما يزيد  الوضع خطورة هو احتدام الانقسام الاهلي وانفلات حالة الفوضى العامة المتصاعدة عل كل المستويات  والأوجه كافة.  

  وإذا كان أداء وممارسات أهل السلطة عن أحوال البلاد وأهلها، كان وسيبقى موضع إدانة. فإن قوى الاعتراض اللبناني على تنوعها وتعددها ومعها المجموعات من دُعاة الانقاذ والتغيير، يتحملون قسطهم من المسؤولية عما آل إليه وضع ومصير البلاد وأهلها. ما يستدعي تضافر جهد الجميع إلى تنظيم المبادرات لأوسع حوار ممكن وضروري في سبيل انقاذ البلد من جحيم الانهيار وخطر الزوال، واللقاء حول برنامج الحد الأدنى من المشتركات الجامعة حول القضايا الأساسية، لمواجهة أطراف السلطة ومحاصرتها، من خلال خطة تحرك فعلية، يشارك في تنفيذها جميع الاطراف والفئات المتضررة المعنية ببقاء البلد كياناً وطنياً  كل من موقعه، وعدم التلهي بتشكيل الجبهات والأطر العاجزة وإدمان تنظيم التحركات القاصرة العديمة الفاعلية.

 أما نُخبة البلد فهي مطالبة أيضاً بتحمل مسؤوليتها والصمود وعدم استسهال الحلول الفردية والهجرة، في ما البلد هو بأشد الحاجة ليس لكفآتهم وحسب، إنما أيضاً لمساهمتهم في إعادة النهوض ومواجهة ما يتهدد مصيره.

Leave a Comment