تتسارع الوقائع الاستيطانية التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي فرضها في الضفة الغربية، بغية حسم أمرها والقضاء على أي إمكانية لإقامة دولة أو كيان للفلسطينيين، مهما كان شكلهما، وكان أحدثها منح لجنة التخطيط في وزارة الأمن الإسرائيلية الموافقة النهائية للمشروع الاستيطاني “E1″، والذي يتضمن بناء أكثر من 3 آلاف وحدة سكنية؛ لربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس.
ويُعد مشروع “E1” ليس جديداً، إذ صيغ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم اضطرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى تجميده نتيجة الضغط الدولي، لكن حكومة اليمين المتطرف وجدت في المناخ الحالي فرصة لا تتكرر لتنفيذ المشروع، بوصفه “حاسماً” في إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية؛ لكونه يوسع حدود القدس شرقاً وصولاً إلى مستوطنة معاليه أدوميم، وبالتالي فصل مُحكم لشمال الضفة عن جنوبها.
وتؤكد وزارة الخارجية الفلسطينية، لـ”المدن”، أن اليمين الإسرائيلي يسابق الزمن في الاستيطان ومشروع “E1″، لتقويض أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية في ظل تسونامي الاعتراف المتوقع بدولة فلسطين، عند انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل.
ما مضمون “E1”؟
ويقول مدير عام التوثيق في هيئة شؤون مقاومة الجدار والاستيطان أمير داود، لـ”المدن”، إن المشروع يتضمن إقامة وحدات استيطانية وحدائق وفنادق، إضافة إلى ما يسمى شارع “نسيج الحياة” الذي سيُقام للفلسطينيين لمنعهم من استخدام شارع رقم “واحد”، الذي سيصبح للمستوطنين فقط.
وأوضح داود أنه من الناحية العملية، فإن شارع رقم “واحد” القائم حالياً، يقسم الضفة فعلياً إلى شمال وجنوب، ولكن تطبيق مخطط “E1” على الأرض، سيحسم هذا الفصل “إلى الأبد”.
وبين داود أن المخطط الاستيطاني المذكور يُعد جزءاً من مشروع “القدس الكُبرى” الذي أُجّل تمريره في الكنيست حتى اللحظة، ويهدف إلى ضم 3 تكتلات استيطانية وجعلها ضمن الحدود الإدارية لبلدية الاحتلال بالقدس، وهي مستوطنات معاليه أدوميم وجفعات زئيف وغوش عتصيون، ما يعني أن الاحتلال يمضي منهجياً نحو المشروع الأكبر.
ماذا بعد الموافقة؟
وأوضح داود أن مشروع “E1” بدأ بمرحلة الدراسة والصياغة لتلافي الاعتراضات، ثم تلاه التصديق، وبعدها ستمنح الجهات الإسرائيلية المختصة إشعاراً بتنفيذ المخطط الهيكلي للبناء، وستشرع “سلطة الأراضي” التابعة للاحتلال بالتحضير لمنح العطاءات، ثم تبدأ الشركات الحاصلة على المناقصة، بتنفيذ مشروع “E1″ الاستيطاني.
وبيّن أنه لا توجد حدود زمنية معيارية في موضوع التخطيط والبناء الاستيطاني، لكن النية السياسية الإسرائيلية تقضي بتسريع منح العطاءات لمسابقة الزمن لفرض وقائع جديدة. وأكد داود أن مخططات استيطانية صُدّق عليها مثلا عام 1992، لم تُطرح عطاءاتها إلا قبل نحو عام فقط، وهذا ارتبط تقليدياً بالصبغة السياسية لبعض عمليات التصديق، والتي انعكست إما بتعجيل أو إبطاء تنفيذ مخططات استيطانية محددة، لكن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتبع نهج تسريع تنفيذ خطط الاستيطان لـ”حسم” أمر الضفة.
واقع أكثر تعقيداً
ونوّه داود إلى أن صور وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، تملأ شوارع الضفة الغربية الآن، حيث علقها المستوطنون احتفاءً بدفعه المخططات الاستيطانية قدماً، مبيناً أن الاستيطان مادة دعائية للصهيونية الدينية، وذلك قبل نحو سنة من إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة.
والحال أن الاحتلال عمل على مدار سنوات طويلة، على خلق وقائع قسمت الضفة وقوضت إقامة دولة فلسطينية، إذ أن نحو 42 في المئة من مساحة الضفة تخضع لإجراءات إسرائيلية، سواء بتصنيفها “أراضي دولة” أو “مناطق عسكرية” أو استيطانية. وهذا يعني أنه من دون مخطط “E1″، فإن الوضع الجيوسياسي في الضفة في غاية التعقيد، عدا عن أن مناطق شرق القدس وصولاً حتى البحر الميت، خاضعة على نحو كبير لإجراءات الاحتلال، وكذلك الحال بالنسبة للأغوار، ضمن عمل إسرائيلي مستمر منذ عام 1967، وفق ما تؤكده هيئة مقاومة الجدار والاستيطان لـ”المدن”.
“إعادة تعريف الصراع“
في المحصلة، تدفع المخططات الاستيطانية بما فيها “E1″، إلى إعادة تعريف الصراع والقضية الفلسطينية وإلغاء كل نتائج اتفاق أوسلو مروراً بخلق واقع مختلف، كما يؤكد الباحث في مركز “مدى الكرمل” إمطانس شحادة لـ”المدن”.
ويضيف شحادة أن الحكومة الإسرائيلية تنفذ المخطط الاستيطاني قبل ذلك، لكن الخطير الآن هو أن الاستيطان يتوسع ويتكثف سريعاً دون انتقادات دولية جدّة وأي تعطيل له؛ رغم إحباطه إقامة الدولة الفلسطينية.
وأشار شحادة إلى أن ما يجري في الضفة من استيطان متسارع، سيغير شكل السلطة الفلسطينية التي لا يوجد لها أي دور سياسي وأمني جوهري، وستتحول شيئا فشيئا إلى مجرد مراكز شرطة وخدمات للسكان، بموازاة تهجير “ناعم” لسكان الضفة عبر التضييق عليهم وخلق بيئة غير قابلة للحياة.
“الفيتو الأميركي”.. لم يعد قائماً
واللافت أن المخططات الاستيطانية تجري دون موقف أميركي معارض، وهو ما يعتبره الباحث بالشأن الإسرائيلي أنطون شلحت، دليلاً على أن الفيتو الأميركي الذي جمد مشروع “E1” لسنوات طويلة، لم يعد قائماً في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب؛ ذلك أن الأخير تعامل مع المستوطنات منذ ولايته السابقة، على أساس أنها “شرعية”.
ويؤكد شلحت لـ”المدن”، أن المخططات الاستيطانية باتت غاياتها مكشوفة الآن وليست مبطنة كما السابق، خصوصاً أن الاتفاق الائتلافي للحكومة الحالية تضمن بنوداً مرتبطة بتصعيد الاستيطان وفق منهجية متسارعة. وينوه إلى أن نقل مهمة تخطيط الاستيطان من الجيش الإسرائيلي إلى وزير “مدني” وليس عسكري، أي سموتريتش، قُصد به أن نوايا الضم والاستيطان في الضفة نحو التنفيذ الحتمي.
والواقع أن الاحتلال ينفذ تطهيراً وإبادة في الضفة، ولكن بأسلوب مختلف عن غزة، بيدَ أن العنوان المشترك لما يحصل في الضفة غزة، هو تدمير الكيانية الفلسطينية عبر نكبة جديدة.
* نشرت على موقع المدن بتاريخ 22 آب 2025
