مجتمع

مافيا الرغيف وأزمته تحصد أموال الدعم..”بروفا” لتحرير السعر كما الدواء والمحروقات

محمد قدوح

مؤسف جداً رؤية طوابير الذل امام الافران، والتي تخللتها إشكالات فيما بين المنتظرين، أدت الى سقوط ضحايا وجرحى منهم. ومؤسف أيضاً، احداث العنف والممارسات العنصرية التي حصلت ضد اللاجئين السوريين، حيث تعرض عدد كبير منهم لإعتداءات بالضرب والشتم، وإقدام بعض الافران على حرمان هؤلاء من الحصول على الخبز، بحجة أنهم يهربونه الى سوريا أو يبيعونه في السوق السوداء، وهو موقف يساهم عن قصد أو من دون قصد في التعمية على الاسباب الحقيقية لأزمة الخبز في لبنان.

صحيح أن وجود اللاجئين السوريين في لبنان يشكل عبئاً على موارد الدولة ومخزون البلاد من القمح وباقي المواد الغذائية، إلاّ أن سبب أزمة الخبز المتفاقمة وغيرها من الأزمات التي يعيشها المواطن اللبناني، هي نتاج السياسات الخاطئة التي تصّر المنظومة الحاكمة على ممارستها، وترفض حتى الآن إقرار الإصلاحات الضرورية لوقف الإنهيار الإقتصادي والمالي والنقدي، والأهم في هذا الإطار هو أداء السلطة، وتخليها عن مسؤولياتها في المراقبة والملاحقة القانونية للمخالفين، وبما يفسح المجال أمام التجار المتلاعبين، الذين يمثلون “السلطة العميقة” لممارسة جشعهم على المواطنين، ونهب أموال الدعم المخصصة للمواطنين وفرض الأسعار التي تناسب مصالحهم.

أزمة الخبز المدعوم كغيرها من الأزمات التي سبق وطالت المواد المدعومة مثل المحروقات، هي الآن مجرد “بروفا” يجري تنفيذها بالتكافل والتضامن بين السلطة والتجار، لتحرير سعر الخبز ورفع الدعم عنه، والاستفادة من اموال الدعم خلال الفترة الفاصلة بين بدء مسلسل الأزمات وقرار رفع الدعم. خصوصاً وأن هذه الاموال والمقدرة بحوالي 150 مليون دولار حصل عليها لبنان من البنك الدولي، ولن يكون مصيرها أفضل حالا من مصير ما سبقها من قروض ومساعدات ضاعت بين حلقات النهب المتكافلة والمتضامنة.

أما المستفيدون من أموال الدعم فهم النافذون في وزارة الاقتصاد وكل من المطاحن والافران. ويبدو أن المطاحن وبعض النافذين في وزارة الاقتصاد لهم الحصة الأكبر من أموال الدعم، وقد جرى التداول مؤخراً بإختفاء كمية من  القمح تقدر بـ 10.000 طن، وجهت أصابع الإتهام الى بعض المطاحن، ونافذين في الوزارة من المقربين من مركز القرار. ويرجح أن يكون قد جرى تهريب جزء من القمح إلى سوريا، وبيع جزء ثان علفاً للحيونات، وتخزين جزء ثالث للإستفادة من فارق السعر بعد رفع الدعم عن الخبز. وبعد ذلك يأتي دور الأفران التي تعمل على حجز حصتها من أموال الدعم بالمشاركةمع نافذين في المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد، وهي الجهة المكلفة بتوزيع الطحين على الأفران بموجب قسائم. حيث تقوم هذه المديرية بتوزيع القسائم من دون الأخذ بعين الإعتبار هل يعمل الفرن أم لا والذي يبيعها بسعر السوق السوداء لمحال الحلوى والمناقيش وما شابه، ودون النظر إلى قدرة الأفران الإنتاجية، وحاجة الاستهلاك في هذه المناطق لهذه المادة. وهو الأمر الذي يسمح للنافذين في المديرية بالحصول على رشاوى مقابل زيادة الكميات المحددة للأفران، كما يسمح لبعض الأفران بالحصول على كميات من  الطحين تفوق قدرتهم على تصنيع الخبز، وبالتالي تخزين الكميات الفائضة لديها للإستفادة من فارق السعر بعد رفع الدعم. كما تعمل الأفران على تحقيق أرباح خيالية من  خلال بعض موزعي الخبز والسماسرة الذين يبيعون الربطة زنة 850 غرام للمحال التجارية بـ 22.000 ل.ل، وللمواطنين بسعر 30.000ل.ل وهو السعر المقدر لربطة الخبز بعد رفع الدعم عنه. وينسحب الوضع استغلالا على أنواع من الخبز غير الخبز العربي، ولاسيما الفرنجي منه، وتلك التي يستهلكها مرضى السكري والضغط والكوليسترول وما شابه، وهذه الانواع يصول ويجول أصحاب الافران في فرض الاسعار التي يريدون دون حسيب أو رقيب من وزارة الاقتصاد.

خلاصة القول في هذه الأزمة هو أننا  في وضع ” يبشر” باستكمال حلقات الافقار والتجويع التي يعانيها المواطنون والمقيمون على حد سواء. الجديد طبعاً هو انضمام أصحاب المطاحن والافران وباقي أجزاء السلسلة إلى من سبقهم من محتكرين، دون أن ننسى المهربين، الذين يعمدون من خلال مواقعهم في الداخل والحدود إلى ضخ كميات كبرى للخارج على حساب المواطن اللبناني كما حدث مع أموال الدعم التي استنزفت أموال الاحتياط في المصرف المركزي وهي أموال المودعين.

والواضح أن اللبنانيين باتوا يعيشون هبة باردة وهبة ساخنة ، فيوم يتأمن الرغيف ويوم يفتقدونه رغم انتظارهم بالطوابير. ويبقى أنه على الذين ينتظرون الحصول على الرغيف أن يتجهوا نحو السارقين الفعليين بدل الصدام بين بعضهم بعضاً، أو “فش خلقهم” باللاجئين إلى بلادهم ممن لهم الحق في الوصول إلى الرغيف، فهل ينتقل اللبنانيون إلى مرحلة المواجهة مع السلطة وأربابها من أصحاب الافران وتجار محتكرين ومتلاعبين؟

Leave a Comment