*محمد حجيري
انشغل الرأي العالم العالمي بسجن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي(70 عاماً)؛ إذ بدأ بقضاء عقوبة السجن 5 سنوات في سجن لاسانتي بباريس، بتهمة التآمر لجمع أموال من ليبيا لتمويل حملته الانتخابية. وتولى ساركوزي، زوج المغنية الحسناء كارلا بروني، الرئاسة، بين العامين 2007 و2012، وبات أول رئيس فرنسي سابق يُسجن منذ المارشال فيليب بيتان الذي تعاون مع النازية بعد الحرب العالمية الثانية. ولم يسبق أن دخل أي رئيس دولة في الاتحاد الأوروبي، السجن، في حين أمضى البرازيلي لولا دا سيلفا والجنوب أفريقي جايكوب زوما فترات وراء القضبان بعد مغادرتهما السلطة. وجدد ساركوزي التأكيد عبر منصة إكس الثلاثاء أنه “لا يُسجن رئيس سابق للجمهورية، بل شخص بريء”.
وانشغل الرأي العام أيضاً بمساحة سجن ساركوزي وقيل إنه غرفة من 11 متراً، مجهزة بسرير مثبت في الأرض، ومكتب صغير، ودش، ومرحاض. ويمكنه وفق التقارير، استخدام لوح تسخين للطهي، كما تتوافر شاشة تلفزيون مقابل رسوم، وثلاجة، بوصفها خيارات إضافية، كما يمكنه شراء مستلزمات النظافة والطعام من “كتالوغ داخلي”. وما أثار الفضول أيضاً، اختيار ساركوزي ثلاثة كتب ينوي قراءتها في فترة العزل أو الحبس، منها “الكونت دي مونت كريستو” لألكسندر دوماس، و”سيرة يسوع” لجان كريستيان بيتيليس. ويحمل اختيار رواية “مونت كريستو” رمزية كبيرة؛ إذ يُسجن بطلها إدموند دانتيس ظلماً لمدة 14 عاماً، ويخطط للانتقام بعد هروبه. ويقول ساركوزي إنه يشبه دانتيس في شعوره بالبراءة، خصوصاً أنه لم يكفّ عن إعلان براءته. أما كتاب “يسوع”، لجان كريستيان بيتيتفيلس (2011)، فيقدّم عرضاً موثّقاً لحياة المسيح بالاعتماد على مصادر تاريخية بعيدة من السرديات الدينية البحتة.
وتعود القصة بين الزعيم الليبي المخلوع والقتيل، معمر القذافي، والرئيس الفرنسي السجين، إلى منتصف العقد الأول من الألفية، حين كان القذافي يسعى للعودة إلى الساحة الدولية بعد سنوات من العزلة والعقوبات الأميركية،في حين كان ساركوزي يطمح للوصول إلى قصر الرئاسة الفرنسية. التحقيقات التي أجرتها السلطات الفرنسية لاحقًا كشفت أن مبالغ تراوحت بين 5 و50 مليون يورو حُوّلت من ليبيا إلى حملة ساركوزي عبر وسطاء، في واحدة من أكبر عمليات التمويل الخفي في التاريخ السياسي الفرنسي. وبعد فوزه بالرئاسة في العام 2007، استقبل ساركوزي القذافي في باريس استقبالًا رسميًا، حيث نصب الزعيم الليبي خيمته الشهيرة بالقرب من قصر الإليزيه في مشهد أثار غضب الرأي العام الفرنسي، وصارت الجمهورية الفرنسية عرضة للسخرية لدى كتاب الرأي؛ إذ تبين أن المال يفعل فعله حتى في أرقى الدول والجمهوريات، والدنيا قائمة على المصالح أكثر من المبادئ. غير أن العلاقة بين الزعيمين لم تدم طويلاً؛ إذ انقلب ساركوزي على القذافي بعد اندلاع الاحتجاجات الليبية في العام 2011… وذهب القذافي إلى حتفه، في حين ذهب ساركوزي إلى المحاكمة فالسجن.
ويتزامن سجن ساركوزي في فرنسا حيث الجموح القضائي والإفراط القانوني، بالتزامن مع اللاعدالة في لبنان، فقبل أيام أُخرج حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة من السجن مقابل 16 مليون دولار، وهو يشكل الصندوق الأسود للمنظومة الحاكمة في جمهورية ما بعد الطائف. ثم كانت قضية هنيبعل القذافي الذي خُطف من سوريا منذ عشر سنوات على يد النائب السابق حسن يعقوب، وأُدخل السجن بلا بسبب إلا لأنه قريب معمر القذافي المتّهم بقضية اختفاء موسى الصدر، حيث إنَّ القضية كلها على بعضها تبدو كأن الدولة تمارس دور العصابة وتطلب الفدية من المخطوف وفق ما جاء في تعليقات فايسبوك، وقد وافق القضاء اللبناني (أو أحد قضاته) على إخلاء سبيل هنيبعل مقابل 11 مليون دولار، إلى آخر القضية التي تنشغل بها الصحف هذه الأيام…
والشيء بالشيء يذكّر، فساركوزي الذي سجن بسبب تلقيه تمويلاً من ليبيا، يجرنا إلى سؤال: كم ساركوزياً في الجمهورية اللبنانية؟ كم يبلغ عدد الزعماء اللبنانيين الذين قصدوا خيمة معمر القذافي؟ وكم دفع القذافي للزعامات والمؤسسات والأحزاب والحركات والمجلات والصحف والأدباء والمؤسسات التعليمية والإرهاب؟ وكم هي المقالات الممولة التي كُتبت عن قصص القذافي ورائد فضائه؟!
*نشرت في المدن الالكترونية يوم الأربعاء 2025/10/22
